مفهوم المقاولة في التشريع المغربي
عتبر مفهوم المقاولة
اهم فكرة يقوم عليها النشاط الاقتصادي و الاجتماعي الحديث؛ فالمقاولات سواء كانت
صغيرة أو متوسطة ام كبيرة، تقوم بدور اساسي في نمو اقتصاد البلاد، حيث تعتبر
المصدر الاساس للانتاج و توفير مناصب الشغل و بالتالي فهي تساهم في نمو الدخل
القومي و مالية الدولة و التطور الاجتماعي، و مفهوم المقاولة من المفاهيم القديمة
جدا، رغم أنه لم يكن بالمعنى المقصود منه في العصر الحالي نظرا لعدة تطورات خضع
لها هذا المفهوم.
فلفظ المقاولة في بداية
الامر اعتمدها المشرع الفرنسي سنة 1804 في المادة 8 من القانون المدني الفرنسي حيث
عبر عنها ب "عقد المقاولة " و كذلك سنة 1807 في الفصل 632 من القانون
التجاري، حيث كانت لفظة المقاولة خلال هذه الفترة كبديل عن مصطلح النشاط.
لكن بفعل التحولات
الاقتصادية و الاجتماعية التي عرفها العالم اصبح اشتراك بين مصطاح المقاولة
والنشاط و بالضبط خلال القرنين 19 و 20 وذلك من اجل توظيف رؤوس الاموال و اليد
العاملة والخدمات، و بالتالي فانه في منتصف القرن 20 اصبح للمقاولة مفهوما ومعنى
في نفس الوقت.
و منه فإن المقاولة
باعتبارها تشكل نواة الاقتصاد الوطني فهي تتطور و تتغير حسب تغير الظروف
الاقتصادية أو الاجتماعية، مما يجعل امكانية تحديد مفهومها بشكل دقيق امرا في غاية
الصعوبة.
و تجدر الاشارة الى ان
المشرع المغربي لم يعط تعريفا دقيقا للمقاولة، رغم تناوله لهذه الاخيرة في العديد
من القوانين، كقانون الشغل، مدونة التجارة، اضافة لقانون الالتزامات والعقود في المادة
723 منه حيث عبر عنها ب "إجارة الصنعة" .
إلا أن هذا التعريف
أصبح متجاوزا في الاونة الاخيرة لان مفهوم المقاولة يعد من المفاهيم الاكثر غموضا
في المجال القانوني؛ على اعتبار ان هذا المفهوم خاضع لمقاربة اقتصادية اكثر مما هي
قانونية. و بالتالي فإن المقاولة
هي الوحدة الانتاجية الاقتصادية التي تضم كل من العنصر البشري والمادي للنشاط
الاقتصادي، و مع تطور وظيفة الدولة ظهر مفهوم قانوني اعتبرها من القيمة الاقتصادية
للعناصر المادية في النشاط الاقتصادي.
ورغم المحاولات الفقهية
الا ان الاشارة تبقى واضحة الى ان هناك افتقار لمفهوم المقاولة الذي لا يزال
يتأرجح بين أخذ و رد بين المفهومين الكلاسيكي و الحديث، و ذلك حسب الايديولوجيات
والمستويات الاقتصادية و الاجتماعية السائدة في الدول، وإن كان المفهوم الحديث بدا
يطغى خصوصا في ظل المتغيرات الاخيرة التي يعهدها العالم و المفاهيم الجديدة التي
بدأت تركز على الجانب الاجتماعي والاقتصادي في مفهوم المقاولة.
و من هنا يمكن القول
بان هذا الموضوع - مفهوم المقاولة - يكتسي أهمية بالغة باعتبار أن المقاولة تشكل
الركيزة الاساسية للاقتصاد و الخلية الاولى للانتاج في المجتمع، إلا ان مفهومها
يظل مبهما وغير واضح، كما انه من الصعوبة بمكان الاحاطة بمختلف جوانبه، وتحديده
تحديدا دقيقا لكونه يتغير بتغير الظروف الاقتصادية و الاجتماعية، مما نتج عنه جعل
هذا المفهوم يتأرجح بين عدة مفاهيم تختلف باختلاف الزاوية التي ينظر له منها، سواء
على المستوى القانوني او الاقتصادي. بل بدأ يقيم وزنا ايضا لما هو إجتماعي عن طريق
مساهمة المقاولة في التنمية المستدامة و ذلك بمحافظتها على البيئة، مما جعل
مفهومها يتطور ويخضع للمتغيرات التي يشهدها العالم بشكل مستمر. و بالتالي فان
الاشكال الذي يطرح نفسه بقوة في هذا الموضوع يتجلى في صعوبة تحديد مفهوم المقاولة
نظرا لتأثر هذا المفهوم بمجموعة من التحولات سواء على المستوى الاقتصادي أو
الاجتماعي، بل حتى البيئي.
و هذا ما يدفعنا الى التساؤل حول المكانة القانونية لمفهوم المقاولة ضمن القانون المغربي؟ و كيف أثرت التحولات التي عرفها المجتمع على مفهوم المقاولة؟ او بمعنى اخر كيف ساهمت التحولات الاقتصادية والاجتماعية على تطوير مفهوم المقاولة؟
و بما أن مفهوم المقاولة مفهوم تتدخل فيه مجموعة من الابعاد، فانه بالنظر لاهميته ضمن النظام القانوني المغربي سيتم بداية توضيح المكانة القانونية للمقاولة، مع تمييزها عن غيرها من المؤسسات المشابهة ( المطلب الاول ) ثم ابراز التطورات التي عرفها مفهوم المقاولة نتيجة تاثره بالتحولات الاقتصادية و الاجتماعية و كذلك البيئية (المطلب الثاني).
المطلب
الاول : التأطير القانوني مفهوم المقاولة
تعتبر المقاولة اهم فكرة يقوم عليها اعداد النشاط الاقتصادي و الاجتماعي
الحديث سواء اكانت المقاولات كبيرة او صغيرة او متوسطة فانها تقوم بدور اساسي في
نموالاقتصاد. إلا ان مفهوم المقاولة ليس له صورة موحدة في التشريع لكونه من
المفاهيم الغامضة، الشيء الذي انعكس على كل من اراء الفقهاء الذين حاولوا وضع
تعاريف مختلفة (الفقرة الأولى)، التي تتداخل بدورها مع العديد من المفاهيم
المشابهة ( الفقرة الثانية) .
الفقرة
الاولى : مفهوم المقاولة
من أجل إعطاء نظرة أولية عن المفهوم القانوني للمقاولة، فإننا سنتطرق على
التوالي للحديث عنه إنطلاقا من زاوية قانون الالتزامات والعقود (أولا) و كذلك
القانون التجاري (ثانيا) اضافة الى القانون الإجتماعي (ثالثًا).
اولا
: مفهوم المقاولة وفق قانون الالتزامات و العقود
كما سبق الإشارة إليه، فمفهوم المقاولة يعتبر من المفاهيم الأكثر غموضا على
مستوى المجال القانوني، نظرا لكون المشرع المغربي استعمل هذا المصطلح في العديد من
القوانين، كما ان الإستعمالات المشار اليها هي في حد ذاتها متناثرة وغير مرتبطة و
متنوعة، تختلف بإختلاف موضوعاتها و أشكالها، الشيء الذي لا يساعد على
استنباط مباشر لمفهوم قانوني موحد او على الأقل منسجم للمقاولة، هذا من جهة، من
جهة ثانية، وما يزيد تأكيد هذا الطرح، كون المشرع المغربي لم يعرف لنا نهانيا
المقاولة ( إلا بطريقة مقتضبة جدا و التي سيتم الرجوع إليها فيما بعدة ).
ارتباطا بهذا، فانه يلاحظ على المشرع المغربي إبان وضعه لظهير الالتزامات و
العقود سنة 1913، انه خصص على مستوى هذا القانون، مجموعة من المقتضيات القانونية
ليؤسس لمفهوم المقاولة، و ذلك إما صراحة أو تلميحا، وذلك بمناسبة حديثه عن:
- احكام عقد اجارة الصنعة
في الفصول 723 الى 729 و الفصول 759 الى 780 .
- احكام الشركات و الشخص
المعنوي في الفصول 982 الى 1091.
- قواعد توزيع او تحويل
اموال المدين في الفصل 1241.
و بالرجوع إلى الفصل 723 من ظهير الالتزامات و العقود في فقرته الثالثة،
نجد المشرع يعرف لنا عقد اجارة الصنعة بالقول "عقد بمقتضاه يلتزم احد الطرفين
بصنع شيء معين في مقابل اجر يلتزم الطرف الآخر بدفعه له" و بالتالي فإنه حسب
بعض الفقه، فالمقاولة حسب مدلول القانون المدني هي عقد يربط بين طرفين محله صنعة و
اجارة.
والى جانب ذلك نجد بعض الفقه، يرى على ان النشاط الصناعي او الحرفي الوارد
في المادة 6 من مدونة التجارة هو جوهر الصنعة المقصودة في قانون الإلتزامات و
العقود، وبذلك يكون من المنطق و الصواب الاعتراف بان المقاولة هي المقدمة للصنع او
الصنعة و بأنها هي المتعاقدة مع طالب تلك الصنعة.
وخلاصة القول، ان الفصول السابقة الذكر اهتمت بتعريف و تنظيم عقود اجارة
الصنعة، مما يمكن معه القول ان للمقاولة في القانون المدني مفهوما قانونيا، بخلاف
ما عليه الأمر بالنسبة لمدونة التجارة، التي اهتمت بالعناصر الاقتصادية و
القانونية المكونة للمقاولات، لا بالعقود الناشئة عنها، مما يعطي للمقاولة في
ميدان الصناعة و التجارة مفهوما إقتصاديا كما سنرى في الفقرة الموالية.
ثانيا:
مفهوم المقاولة في القانون التجاري
إن أهمية دراسة مفهوم المقاولة من ناحية القانون التجاري لها أهمية خاصة،
لما لمفهوم المقاولة من دلالات إقتصادية بالدرجة الأولى اكثر من ما هي قانونية،
ولكن بالنظر لكوننا سنخصص الحديث عن البعد الإقتصادي لمفهوم المقاولة في مرحلة
لاحقة من هذه الدراسة، فإننا سنقتصر في هذا المقام على تبيان مختلف التعاريف التي
أدرجها الفقهاء للمقاولة بعتبارها نظام اقتصادي.
ما يجب لفت الإنتباه إليه بداية وكما سبق و ان أشرنا، فإنه من بين
المستجدات التشريعية التي عرفها المغرب في بداية هذه السنة التشريعية، والتي طالت
مدونة التجارة: وبالخصوص في كتابها الخامس، نجد المشرع يخرج عن صمته و كذلك عن
القاعدة الفقهية المعروفة، والتي تقول على ان التعريفات ليست من إختصاص المشرع،
وإنما هي من إختصاص الفقه و
القضاء، وذلك من خلال تعريفه لمفهوم المقاولة، حيث جاء في المادة 6 من هذا القانون
في فقرتها الثالثة '' يقصد بالمقاولة في مدلول هذا الكتاب الشخص الذاتي التاجر أو
الشركة التجارية ". فبقراءة هذا النص، يلاحظ انه حتى وان كتب لهذا التعريف ان
يرى النور، الا انه جاء فقط ليزيل اللبس الحاصل عن الاشخاص المعنيين بهذا المقتضى
القانوني، ومن تم فانه من أجل رؤية أوضح لهذا المفهوم - أي المقاولة - فإننا لا
نجد في مقامنا هذا إلا الاستعانة بمختلف التوجهات الفقهية، التي حاولت شرح ما
المقصود بالمقاولة، إلا انه جدير بالذكر ان الفقه القانوني لم يقتصر على مفهوم
موحد للمقاولة، و يمكن القول ان هناك عدة إتجاهات في هذا الشأن، لعل من بينها و
أهمها نذكر :
إتجاه يرى أن المقاولة هي مجموعة من من الاموال المادية والمعنوية المنقولة
والعقارية، و الحقوق التي يخصصها التاجر لممارسة نشاطه التجاري. هذا الإتجاه ينظر
إلى المقاولة من خلال الاموال و الحقوق المرتبطة بها.
واتجاه يرى فيها مجموعة من الأشخاص يهدفون، من خلال عملهم، إلى تحقيق نشاط
اقتصادي معين. هذا الإتجاه ينظر الى المقاولة من خلال الاشخاص الفاعلين فيها، أي
المستثمرين و المسيرين و العمال.
واتجاه يعتبرها خلية اقتصادية و اجتماعية في ان واحد تهدف إلى الإنتاج
والتوزيع والمبادلة. هذا الإتجاه يجمع بين العنصرين السابقين معا أي الأموال
والحقوق و الأشخاص.
كما حدد احد الفقه المقصود بالمقاولة بالقول: " تكرار للاعمال على وجه
الحرفة و الاعتياد بناء على تصميم و تنظيم و ادارة بشرية و عمال و اجهزة و راس مال
ووسائل مادية و معنوية و قانونية اخرى لتحقيق هدف المقاولة المشروعة او النشاط
" وقد عرف الفقيه ' بول دورائد' المقاولة بأنها : " مجموعة عناصر بشرية
ووسائل مادية منظمة و موجهة من أجل غاية معينة ".
كذلك نجد بعض الفقه قد عرف المقاولة في القانون التجاري على انها "
مجموعة من الوسائل البشرية و المادية مجمعة و منظمة وفق ما يقتضيه ممارسة احد
الانشطة الاقتصادية المعينة بصفة صريحة او ضمنية بمدونة التجارة و بشروط التدبيرو
الاشهار والنزاهة التي يفرضها القانون و السوق و بصفة عامة النظام الاقتصادي العام ".
ما يجب اثارة الإنتباه اليه بهذا الخصوص، أنه اذا كان المشرع قد حاول من
خلال ظهير الالتزامات و العقود التأسيس لمفهوم المقاولة من الناحية القانونية، و
من خلال القانون التجاري التأسيس له من الناحية الاقتصادية، بالإضافة إلى كل ما
توصل له الفقهاء من تعريفات حاولوا من خلالها إزالت الغموض عن هذا المفهوم -
المقاولة - إلا أنه مع ذلك لا يمكن الأخد بها كمسلمات نحدد من خلالها بشكل دقيق
المقصود منه، لكون تلك التعاريف لم تستطع الإحاطة بكل جوانب المقاولة كنظام، و
كوحدة، و كخلية إقتصادية.
وكفكرة يقوم عليها إعداد النشاط الإقتصادي و الإجتماعي الحديث، خصوصا في ظل
التحولات الإقتصادية التي عرفها العالم في العقود الأخيرة، والتي جعلت من المقاولة
حسب رأي بعض الفقه رهان القرن الو
ثالثا:
مفهوم المقاولة في القانون الاجتماعي
لقد تطرقت مدونة الشغل في ديباجتها الى ان المقاولة خلية اقتصادية و
اجتماعية تتمتع باحترام حق الملكية الخاصة و تلتزم باحترام كرامة الذين يشتغلون
بها و ضمان حقوقهم الفردية و الاجتماعية كما تعمل على تحقيق التقدم الاجتماعي
لأجراءها خاصة فيما يتعلق بأمنهم المادي و رعاية صحتهم، والملاحظ على ان هذا
التعريف قد حاول الموازنة و التوفيق بين الحقوق الاجتماعية للاجراء والمصالح
الاجتماعية للمشغل. ولذلك فالمقاولة تعتبر مفهوما أساسيا في القانون الإجتماعي لأن
هذا الاخير هو بمثابة الاطار و بالتالي يمكننا القول بان هذه المقاولة ما هي الا
وحدة اقتصادية و اجتماعية في ان واحد، فالباحث الاجتماعي عندما يبحث في المقاولة
يعالج العلاقات الانسانية بين عناصرها البشرية ( بين المؤجر والاجراء وبين الاجراء
انفسهم ). فالاجير انسان يجب ان يحضى بالعيش اللائق فهو العنصر المحرك للحياة
اليومية والعلاقة بينه وبين صاحب العمل يجب ان يسودها التفاهم الوئام و حسن النية
من الجانبين، كما انه على صاحب العمل ان يوفرله دوام الكسب و ان يعامله معاملة
حسنة و يقدم له الدعم و المساعدة حتى يكون مخلصا و وفيا.
الفقرةٌ
الثانية : تمييز مفهوم المقاولة عن بعض المؤسسات المشابهة لها.
إذا كان مفهوم المقاولة هو مفهوم غامض و متفرق بين مختلف فروع القانون، حيث
لا يمكن حصرها في مفهوم واحد و محدد، لكون مفهومها يختلف بإختلاف النصوص التي
تتناولها و المجالات المستعملة فيها.
بعدما تطرقنا في الفقرة السابقة إلى مفهوم المقاولة وامام غياب تعريف واضح
من طرف المشرع، وما عرفه هذا المفهوم من تضارب فقهي في تحديد المقصود بالمقاولة،
وسعيا منا لإزالة اللبس عن هذا المفهوم إرتاينا إلى ضرورة تمييز المقاولة عن بعض
المؤوسسات المشابهة .
أولا:
تمييز المقاولة عن النشاط التجاري
إذا كان مفهوم المقاولة والنشاط مفهومين متلازمين ذلك أنه على مستوى
تمييزهما ظهر تضارب فقهي، بحيث أن النشاط يعني التكرار أي مزاولة العمل التجاري
بشكل متكرر من خلال مجموعة من العمليات المركبة و الموحدة بقصد تحقيق الربح، وهذا
التكرار يحتمل أن يكون على سبيل الاحتراف كما يمكن أن يكون على سبيل الاعتياد، فهذا التوجه يرى على أن
المعطى الأساسي الجديد الذي طرأ على القانون التجاري المغربي هو إستبداله لعبارة
الاعمال التجارية بعبارة الأنشطة التجارية بناءا على نظرية ( الانتقال من النظرية
الموضوعية إلى النظرية الشخصية المرتكزة على فكرة الأنشطة التجارية ) التي تقول
بأن القانون التجاري ليس قانون التجار أو الأعمال التجارية وإنما هو قانون الأنشطة
التجارية .
فإنه حسب هذه النظرية التي تهتم بالنشاط التجاري فإن مفهوم النشاط التجاري
هو يكمل و يتمم مفهوم المقاولة، ولهذا يعتبر الاستاذ فؤاد معلال أن عبارة النشاط
تعني بالضرورة مفهوم المقاولة. و بالرجوع لموقف للاستاد أحمد شكري السباعي نجده
يتبنى رأيا مخالفا لما سبق ذكره، وذلك بقوله أن كلمة الأنشطة الواردة في الفصول 6،
7، 8، من مدونة التجارة جاءت صياغتها معيبة لأنه يقوم بترجيح كلمة المقاولة بدلا
من الأنشطة، بحيث يعتبر أن النشاط التجاري هو المقاولة والمقاولة هي النشاط
التجاري، دون التفرقة بينهما حيث من ذلك يظهر التمييز بين المقاولة و النشاط
التجاري هو تمييز يشهد تضارب بين الفقهاء فتارة تعتبر المقاولة هي النشاط و تارة
أخرى يعتبر النشاط جزء من المقاولة.
ثانيا:
تمييز المقاولة عن الشركة
إذا كانت المقاولة تعتبر كائنا إقتصاديا و إجتماعيا يضم مجموعة من العناصر
المادية و الواقعية المنظمة وفق خطة إقتصادية معينة، فإن الشركة هي العقد الذي
ينظم الشركاء في المقاولة، فتعريف الشركة بالعقد كما جاء في قانون الإلتزامات و
العقود المغربي الذي ينص على أنها "عقد بمقتضاه يضع شخصان أو أكثر أموالهم أو
عملهم أو هما معا لتكون مشتركة بينهم بقصد تقسيم الربح الذي قد ينشأ عنها"،
نستشف من هذا الفصل أن الشركة هي عقد رغم ان هناك تضارب بين هل هو عقد او نظام لأن
هنالك خلط بينهما، إلا أن الرأي الراجح يعتبر أن الشركة هي نظام وذلك يتجسد من
خلال سيطرة إرادة المشرع على إرادة الشركاء عكس المقاولة التي يتم إعتبارها شأنا
خاصا.
كما أنه تم تعريف الشركة ضمن التشريع الفرنسي بمقتضى الفصل 2 من مدونة
القانون المدني بأنها "عقد بمقتضاه يتفق شخص أو أكثر على وضع ممتلكاتهم أو
صناعاتهم المشتركة بهدف غرض الربح او الإستفادة من الإقتصاد الذي تم التوصل إليه".
بعبارة أخرى, فالشركة كونها نظام أو عقد هي وحدة قانونية إعترف لها المشرع
بالشخصية المعنوية نص عليها بمقتضى المادة 2 من القانون 5.96 المتعلق بشركات
الأشخاص، وكذلك بمقتضى المادة 7 من القانون 17.95 المتعلق بشركة الاموال، لأنه من
زاوية القانون المدني فإنه يخاطب في الغالب الفرد كشخص ذاتي، عكس القانون التجاري
الذي يخاطب المقاولة كوحدة قانونية قائمة بذاتها ومنفصلة عن الشخص المقاول، إلا
أنه لا يجب فهم أن للمقاولة شخصية قانونية قائمة بذاتها ذلك أنه بالرغم من اهمية
المقاولة وقدرتها على إستعاب مجموعة من المفاهيم و المؤسسات القانونية، إلا أنها
لا تحظى في حد ذاتها بأي وجود قانوني، إذ يعترف بالشخصية المعنوية للشركة فقط .
وفي هذا السياق نجد أن محكمة النقض تسير في نفس التوجه ضمن قرار لها صدر بتاريخ
1997 حيت جاء فيه " إذا كانت المقاولة لشخص طبيعي فليس لها حق التقاضي لعدم
إكتسابها الشخصية المعنوية أما إذا كانت شخصا معنويا فتتقاضى بإسمها الخاص و
الدعوى الموجهة ضد شخص طبيعي المؤيدة بحجج في إسم مقاولة تخصه وبإسمه لا يمكن ردها
" (محكمة النقض، القرار 4834 صادر بتاريخ 23.07.1997 الملف المدني عدد 6 مجلة
قضاء مجلس الأعلى . عدد خاص بالقضاء التجاري عدد 56. 2002 ص 5 وما بعدها ).
إذن فمن أهم التمييزات التي بين المقاولة و الشركة ترتكز أساسا في أن
الشركة ذات مفهوم محدد و منظم من طرف المشّرع عكس المقاولة التي لها مفهوم واسع و
زئبقي، وكذلك يظهر التمييز بينهما على أساس أن الشركة تتميز بكونها كائن قانوني
يعترف لها بالشخصية المعنوية في حين أن المقاولة سواء بالمعنى الإقتصادي أو
القانوني لا يعترف لها بالشخصية المعنوية.
بناء على ما سبق فإن التمييز بين الشركة و المقاولة يظهر لنا على ان
المقاولة نطاقها أوسع من الشركة بحيث أن كل مقاولة هي شركة إلا أن الشركة لا يمكن
أن تكون مقاولة وذلك يبرز من خلال أن المقاولة تظم أنواع مختلفة ومن بين أنواعها
الشركة.
ثالثا:
تمييز مفهوم المقاولة عن الأصل التجاري:
رابعا:
تمييز مفهوم المقاولة عن المشروع
يعرف الفقيه العميد ريبير المشروع أنه التكرار
المهني للاعمال التجارية استنادا إلى تنظيم سابق، حيث المشروع يتميز بمظاهر خارجية
تنبني عليه، كما إكتفى العميد ريبير بتعريفه لمالك المشروع دون الخوض في إشكالية
تعريفه المشروع، وهو نفس موقف المشرع المغربي الذي بدوره لم يعرف المشروع سواء
داخل مدونة التجارة أو خارجها، وإنما تضاربت التعريفات الفقهية حيث أغلبها إعتبر
المشروع بمتابة عمل يقوم به الفرد حيث يهدف من ورائه إلى تنفيد فكرة معينة، وهو
الشيء الذي يجعل هذا المفهوم يقترب جدا من مفهوم المقاولة و هو نفس التوجه الذي
عبر عنه الفقيه الإطالي فيفانتي يزيا الذي دافع عن الفكرة القائلة أن المشروع و
المقاولة هما مفهومين متداخلين.
خامسا:
تمييز مفهوم المقاولة عن المقاول الذاتي:
يعرف الفقه المقاولة بأنها كل تطبيق عمل يستهدف إستخدام طاقات مختلفة من
أجل الوصول إلى مرمى معين أو هدف معين، و هو ما يميز بذلك مفهوم المقاولة عن مفهوم
المقاول الذاتي الذي حاول تعريفه المشرع المغربي من خلال المادة الأولى من القانون
114-13 بأن: "المقاول الذاتي، كل شخص ذاتي يزاول بإسمه الشخصي و بصفة فردية و
لحسابه الخاص نشاطا مستقلاً يعتمد على عمله و كفائته و خبرته، ويذر عليه دخلا و
يمارس نشاطا تجاريا أو صناعيا أو حرفيا أو ينجز خدمة شريطة أن يكون رقم أعماله
السنوي يقل أو يساوي:
- بالنسبة للانشطة
التجارية أو الصناعية أو الحرفية 50,000,00 درهم؛
- بالنسبة للخدمات
200,000,00 درهم"
و يبقى في الأخير الإشارة إلى أن التمييز واضح بين مفهوم المقاول الذاتي و
مفهوم المقاولة حيث الاول قام المشرع المغربي بتعريفه من خلال قانون خاص به، و هو
حسن ما فعل المشرع لتفادي الكثير من الخلط في حين لم يعرف المشرع المقاولة بإعتبار
ذلك من إختصاص الفقه كما أنه لم يحدد إطار قانوني خاص بها بل نظمها في نصوص متفرقة
بين مدونة التجارة وقانون الشركات التجارية وبعض النصوص الأخرى.
خلاصة لما تم تناوله فإن التمييز بين مفهوم المقاولة و المفاهيم المشابهة
لها تبين لنا أنه يصعب إعطاء مفهوم دقيق وواضح للمقاولة، كون المفاهيم والمؤسسات
المشابهة هي متداخلة إلى حد كبير مع هذا المفهوم، مما حتم علينا التطرق إلى مايميز
كل هذه المفاهيم عن مفهوم المقاولة الذي لا يزال ضبابيا وغير واضح بإعتبار أن
المشرع لم يحمل على إعطاء تعريف محدد للمقاولة، والفقه بدوره كل حسب توجهه.
المطلب
الثاني : تأثر مفهوم المقاولة بالتحولات الاقتصادية والاجتماعية
نظرا للاهمية التي تحظى بها المقاولة منذ القدم باعتبارها الخلية الاولى
للانتاج؛ فقد تاثرت بالعديد من التحولات الاقتصادية التي فرضت عليها نوعا من
التطور على مستوى المفهوم بشكل تدريجي من مفهوم قانوني الى مفهوم اقتصادي استتبعه
تغير دور المشرع والقضاء على السواء ( الفقرة الاولى )، وصولا الى مفهوم اجتماعي
استطاع الاستجابة للعديد من الاشكاليات المطروحة على المستوى الاجتماعي خاصة في
المجال البيئي (الفقرة الثانية ).
الفقرة
الأولى : تاثير التحولات الاقتصادية على مفهوم المقاولة
نتيجة للتحولات الإقتصادية و الإجتماعية التي شهدها العالم في العقود
الاخيرة؛ و ما واكبها من تطورات خاصة على مستوى الإقتصاد و تحديدا في مجال
الإنتاج، فإن المقاولة باعتبارها الخلية الأولى للإنتاج في المجتمع، قد تأثرت بهذه
التحولات بشكل كبير مما جعل مفهومها ينتقل تدريجيا من مفهوم قانوني إلى مفهوم
اقتصادي يواكب هذه التطورات.
وإذا كان مفهوم المقاولة من المفاهيم الاكثر غموضا في المجال القانوني و
يختلف باختلاف القوانين المؤطرة لها في ظل تعدد أنواعها فإنه مع محاولة المشرع
المغربي لإعطاء تعريف لها لم يكتب لها نجاح و هذا أمر بديهي مادام أن التعاريف ليست
من اختصاص التشريع.
وإن كان مفهوم المقاولة لم يحظى بتعريف دقيق نظرا لكون التعريف الذي أعطاه
المشرع المغربي بعيد كل البعد للإحاطة بجوانب و مجموع المقاولة، ونظرا لاعتبارات
اقتصادية فان مفهوم المقاولة قد تطور من مفهوم قانوني الى مفهوم اقتصادي مادام أن
المقاولة تتحكم فيها الآلية القانونية. وهو ما جعل بعض الفقه يعتبرها أحيانا هدف
القانون و أحيانا أخرى موضوع القانون، غير أن هذا التوجه لا يمكن اعتماده و
بالتالي فالمقاولة لا يمكن أن تعتبر موضوع القانون ولا هدفا للقانون نظرا
لإعتبارات متعددة.
بل إن الحديث عن المفهوم القانوني للمقاولة أصبح غامض و غير مفهوم لكون
التحولات الإقتصادية ساهمت في تطوير مفهوم المقاولة حيث تم الإنتقال من مفهوم
قانوني إلى مفهوم اقتصادي بامتياز يعتمد على مقاربة اقتصادية بالأساس و هو ما جعل
بعض الفقه يعبر عليها بكونها واقع العالم الإقتصادي. حيث أن الإقتصاديين
يقومون بدراسة المقاولة بناء على معيارين :
المعيار الأول: اعتبار المقاولة كوحدة انتاج و تحقيق الخدمات.
المعيار الثاني: اعتبار المقاولة كتنظيم بشري و اجتماعي.
و تأسيسا لما سبق ما يمكن قوله هو أن مفهوم المقاولة قد تطور من مفهوم
قانوني إلى مفهوم اقتصادي و بالتالي يعاب على تصنيفه ضمن المفاهيم القانونية.
و مادام أن تحديد مفهوم المقاولة هو اقتصادي بالدرجة الأولى، وبالتالي لا
يخفى علينا القول أن المقاولة تعتبر واقع الحياة الإقتصادية والنواة الأساسية
للإقتصاد فهي تتأثر وتؤتر في المجال الإقتصادي الذي تحتك به، مايبرز جليا على
مستوى الشركات، حيث انتقل مفهوم الشركة من مفهوم العقد الذي نصت عليه المادة 82 من
قانون الإلتزامات و العقود المغربي إلى مفهوم النظام الذي يعتبر بمثابة دستور
للشّركة، الذي تحدده المادة 12 من القانون رقم 17.95 المتعلق بشركات المساهمة.
وهو الامر الذي تم بمقتضاه انتقال دور المشرع من الدور الحمائي الى الضبطي
وذلك لكون الشركة تجاوزت الاطار القانوني الى اطار المقاولة حيث اصبحت الشركة
بمثابة نظام والمقاولة شئنا عاما تتجاذبه عدة مصالح و هذا ما اكده القضاء في قرار
شهير كرس فيه "المصلحة الاجتماعية ". لذلك فإن القضاء لعب دورا مهما في
تطوير قواعد المقاولة، يستشف ذلك من خلال الإمكانية التي أمكنه بها المشرع والتي
تتجلى في تصويب الوضعية الإقتصادية لأنه الجهة المحايدة التي يمكن أن تخلق نوعا من
التوازن مابين الأطراف في المجال الاقتصادي.
و الجدير بالذكر أن ذلك مرده للتحولات الإقتصادية التي عرفها العالم في
العقود الأخيرة و التي فرضت على المشرع التدخل بمقتضى قواعد أمرة و حمائية ضرورة
تبني قوانين خاصة في هذا المجال و لعل من أهمها؛ القانون 31.08 المتعلق بتحديد
تدابير لحماية المستهلك و القانون 24.09 المتعلق بالمسؤولية الناجمة عن المنتجات
المعيبة وكذا القانون 06.99 المتعلق بحرية الأسعار و المنافسة ...
الفقرة
الثانية : تأثر مفهوم المقاولة بمحيطها الاجتماعي
بما أن مفهوم المقاولة هو مفهوم مطاطي، بحيث يمكن استعماله للتعبير عن
معاني متعددة، وذلك حسب المجال الذي سيستعمل فيه هذا المفهوم أو سيعالج ضمنه، كما
أنه يصعب حصر نطاقها في مفهوم واحد، ذلك أن بعض عناصرها تتطور حسب مجموعة من
الأبعاد المحيطة بالمقاولة. فاذا كانت التطورات
الاقتصادية قد ساهمت بشكل كبير في تطوير مقهوم المقاولة من المفهوم القانوني إلى
المفهوم الاقتصادي تتحكم فيه الالية القانونية، فإن التطورات الاجتماعية بدورها
طبعت مفهوم المقاولة و جعلته يكتسب صبغة اجتماعية.
من هنا فالمقاولة لم تصبح مفهوما محدودا في البحث عن الربح و انما أصبح
اهتمامها يتجه نحو ملائمة البينة الطبيعية و الإنسانية و الاجتماعية، مما يمنح
المقاولة سمعة داخل السوق الاقتصادية نتيجة اخذها بعين الاعتبار لهذه المجالات
التي تعتبر جزء لا يتجزأ من المحيط الداخلي للمقاولة فتصبح بذلك مجالا للمنافسة
داخل العالم الاقتصادي، ومواكبة المقاولة لهذه المجالات الاجتماعية جعل مفهومها
يقترن بمفهوم المواطنة و ظهر مايعرف بالمقاولة المواطنة.
والمقاولة المواطنة هي كل مقاولة تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الاجتماعية و
البيئية والاجتماعية بحيث لم يظل هدفها الرئيسي هو تحقيق الربح، بحيث أصبحت
المقاولة تهتم بالمحافطة على السلامة و الآمن بالموازاة مع تحقيق الربح، وبالتالي
فلا يمكن الحديث عن مقاولة مواطنة التي أفرزتها التحولات إلا باحتوائها على
مؤسستين او لجنتين متوازيتين لا توجد احداهما بدون الأاخرى
و لقد ظهر مفهوم المقاولة المواطنة لأول مرة من طرف الحكومة البريطانية، و
ظهرت بعد ذلك في فرنسا في ثمانينيات القرن الماضي، و باعتبار أن التشريع المغربي
هو تشريع تابع للتشريع الفرنسي فبدوره بادر المغرب الى تكريس مبدأ المقاولة
المواطنة من خلال خطابين لجلالة الملك محمد السادس . وذلك عند قيامه بتدشين الجرف
الأصفر يوم 25 شتنبر 2000 معبرا عن ذلك "ومثلما دعونا المقاولة المغربية الى
ايثار البعد الاجتماعي لتصبح مقاولة مواطنة اجتماعية، فإننا ندعو النقابة المغربية
الى استيعاب ثقافة المقاولة ومنظور نقابة مواطنة "
وهذا ما أكده الخطاب الذي ألقاه صاحب الجلالة محمد السادس نصره الله ليوم
الجمعة 2018/10/12 بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة من
الولاية التشريعية العاشرة الذي جاء فيه: "ولهذه الغاية ندعو لتسليط المساطر
لتشجيع مختلف أشكال التبرع والتطوع والأعمال الخيرية ودعم المبدلات الاجتماعية،
والمقاولات المواطنة ".
ولا يمكن اكتساب مفهوم المقاولة لصبغة المواطنة بناء على معيار محدد و انما
ينبغي جعلها من أساسياتها وينبغي العمل على تطبيقها، و من هنا فإن المقاولة بهذا
المفهوم تحيلنا على ما يعرف بالمسؤولية الاجتماعية للمقاولة، ذلك أن هذه الاخيرة
تعتبر هي مفتاح لجعل المقاولات تتسم بنوع من الوعي ببيئتها و مدى تاثيرها عليها.
ويمكن تعريف المسؤولية الاجتماعية للمقاولات على انها مجموعة من الممارسات
التي تقوم بها المقاولات بهدف احترام اساسيات التنمية المستدامة، بمعنى ان تكون
قابلة للحياة اقتصاديا، وان يكون لها تاثير ايجابي على المجتمع، مع الالتزام
باحترام البيئة.
كما تعتبر الاشكالات المطروحة على المستوى البيئي هي النواة او المركز الذي
تؤطره المسؤولية الاجتماعية للمقاولة، ذلك أن حماية البيئة أصبحت من الأولويات
الاساسية للمقاولات بحيث يتحتم عليها ادخال كيفية مساهمتها في التنمية المستدامة
ضمن تقاريرها وحصيلتها السنوية، فاصبحت المقاولات شيئا
فشيئا تدخل انشغالاتها بالمجال البيئي ضمن نظامها الاداري الداخلي، وذلك للحد من
النفايات المترتبة عن انشطتها واستهلاكها واستنزافها للموارد الطبيعية و تاثيرها
على البيئة.
و يعتبر المعيار ايزو 4001 ( المواصفة الدولية لنظام الادارة البيئية ) من
المعايير التي تم خلقها بقصد مساعدة المقاولات على وضع نظام الادارة البيئية كجزء
أو ضمن اطار مسؤوليتها الاجتماعية، الا أنه على المستوى
العالمي يصعب ايجاد معايير محددة تنظم حماية المقاولات البيئية، فهي معايير متغيرة
من بلد الى اخر مما يصعب وضع نظرة شمولية عن كيفية حماية المقاولات البيئية. فعلى سبيل المثال
المقاولات الفرنسية تتمتع بنوع من التنظيم و اليقظة و ذلك بغية ضمان حماية افضل
للبيئة، فهي اصبحت واعية باهمية احترام البيئة وبذل مجهودات حقيقية للمحافظة على
المحيط الاجتماعي. و بالتالي فرغم الطابع
الملزم الذي جاء به القانون الفرنسي في هذا الاطار الا ان المقاولات الوطنية، فهما
منها باهمية احترام البيئة طبقت او اعتمدت على معايير اكثر تطلبا من تلك التي
يفرضها القانون، وهذا ما تفتقر اليه اغلب المقاولات على الصعيد العالمي و بالاخص في دول العالم الثالث.
وفي نفس التوجه نجد أن المشرع المغربي بدأ يأخذ باتجاه نظيره الفرنسي و ذلك
بالتنصيص على قانون خاص يتعلق بتدبير النفايات و التخلص منها، وبالتالي فمن قراءة
نصوص هذا القانون يتضح بان المشرع المغربي بدأ يولي اهتماماته بالمجال البيئي
لكونه اصبح من الاولويات التي تهدف الى حمايتها اغلب الدول.
اذن فكل مقاولة مواطنة هي مقاولة تضمن تنمية مستدامة داخل المجتمع فتصبح
نموذجا متطورا يستجيب لتلبية احتياجات الاجيال الحاضرة بدون المساس بقدرة الاجيال
القادمة على تلبية حاجياتها.
نتيجة لما سبق فإنه يمكن القول بأن مفهوم المقاولة لا زال في تطور مستمر لا
يتحدد في ما هو قانوني او اقتصادي، ذلك ان التزام المقاولات باحترام المجال البيئي
و المشاركة في التنمية المستدامة جعلها تتحمل مسؤولية استباقية لتفادي الاضرار
بالمجال البيئي.
من هنا يمكن القول بان مفهوم المقاولة لم يعد ينحصر في ماهو قانوني او
اقتصادي و انما اصبح يتسم بطابع بيئي نظرا للاثار التي ترتبها المقاولات على
المستوى البيئي. مما جعل اولوياتها لا تنحصر على المستوى الاقتصادي ( الربح ) و
انما اصبحت تهتم بالمجال البيئي ايضا بغية تحقيق التنمية المستدامة.
خاتمة
ختاما لما سبق تناوله في هذا البحث يظهر لنا على أنه فعلا المقاولة تعد
النواة الرئيسية في الإقتصاد و تعد هي أساس هذا الإقتصاد. حيث تطورت بتطور
المجتمعات؛ و السبب في ذلك يعزر إلى التحولات الإقتصادية الكبرى التي يعرفها
العالم و ليس المغرب فحسب، الشيء الذي جعل مفهوم المقاولة يتغير بتغيرالحقبة
التاريخية، و يتحول بتحول المجال الذي تم الإنطلاق منه للاجل تحديد هذا المفهوم.
ان المقاولة تلعب دورا هاما في تعبئة الرأسمال و حل المشاكل التسويقية و
التموين، بالإضافة إلى حل معظم المشاكل الإجتماعية والإقتصادية، مع فتح أفاق جديدة
أمام المقاولين الشباب للإنخراط في التنظيمات المهنية و الضمان الإجتماعي.
و في الأخير يتبين أن المشرع المغربي إسوة ببعض التشريعات المقارنة لم
يتمكن من ضبط مفهوم محدد للمقاولة من خلال نص ثابث، بل يتغير من نص إلى أخر وحسب
السياق التي ترد فيه، وهو نفس التوجه الذي يذهب فيه غالبية الفقه المعاصر، حيث لم
يتم الإتفاق على تعريف واحد أو مفهوم محدد للمقاولة وهو ما يعزى إلى الصعوبات
الجمة التي تجعل تمييز مفهوم المقاولة عن بعض المفاهيم المتداخلة معه صعبا، بحيث
يصعب الفصل بينها و بين مفهوم المقاولة، كما هو الحال مع الأصل التجاري و الشركات.