ملعون أنت ياكرسي الرئاسة -(استاذ كيمية العياشي)
ملعون أنت ياكرسي الرئاسة
أعرف أنك خشبي،وقد تكون حديديا ،كساؤك جلد غزال ،أو فرو أو صوف..،وقد تكون ذهبيا، مطرزا بخيوط حرير على الطريقة الصينية...،لا تهمني المادة التي صنعت منها ،ولا نوع كسائك أو لونك اللامع،إنما تهمني جاذبيتك سحرك ،ذوقك العسلي الذي يأخذ بالألباب .
بحثت في بطون الكتب،وسألت العرافين بسحر الكراسي ،ولم أجد من يدلني على سر جاذبيتك ،وقدرتك الخارقة على استمالة العقول ،وعندما عجزت ،وحار أمري في معرفة أسرارك ،لم أجد غير ترديد عبارة العاجزين الحائرين،فقلت: ملعون أنت ياكرسي الرئاسة..!
لماذا لعنتك ؟
ليس لسوء أدب مني،فقد تعلمت أن أحترم من يخالفني الرأي إذا لم يصدر منه ما يهين كرامتي ويعتدي على خصوصيتي،لكنك ،للأسف الشديد،أخذت مني كل شيء.
هل تعلم أن جمالك أنسى من تولوا أمورنا عهدا قطعوه على أنفسهم قبل أن يجلسوا على سدتك ، نسوا أرملة تبكي نوائب الزمن ،ويتمامى تقطعت بهم السبل، فباتوا مشردين على أرصفة الطرقات يستجدون القلوب الرحيمة لعلها تلقي لهم بدريهمات تخفف عنهم ألم الجوع ووخز البرد ،وقرويا خرج باكيا يرثي حاله ،فلم تعد بئر الدوار تذر ماءها بسخاء بعدما عبثت أيادي الجشعين بما خزنه الزمن في جوف أرضه الطيبة،فما عاد المسؤول يأبه بشكواه لما أحبك، وشابا يافعا أعياه الإنتظار في الحصول على عمل لعله يحقق شيئا من أحلامه التي نسجها خياله البريء ،ومريضا كلت قواه واستسلم لعلله بعدما فقد الأمل في إيجاد سرير بمستشفيات الوطن،الوطن الذي طالما تغنى بحبه ،وكان دائما يفتخر ببطولات أجداده الذين استرخصو ا دماءهم وأرواحهم في الذود عن حوزته.
لا أستطيع أيها الكرسي الملعون، لفداحة ما سببه سحرك، أن أعدد ضحاياك ،وأن أوصف حجم المعاناة التي بات أهلي يتجرعونها في الليل والنهار والصبح والمساء والصيف والشتاء،في الطرقات في الجبال في السهول ،داخل المستشفيات وبين أسوار المؤسسات ....،في كل مكان زرته وجدت من يشكو من ظلم عشاقك.
كل من أعرفهم كانوا بالأمس القريب يشاركوننا أعراسنا ويمشون في جنائزنا،وكنا نتقاسم معم كؤوس الشاي المنعنع وفناجين القهوة المعتقة في مقهى حينا القديم ،أضحوا اليوم يتحاشون الجلوس إلى جانبنا ،أو الإستماع إلى شكوى سكان البلدة ،البلدة التي أعطتهم بسخاء لأنها كانت تظن أنهم لن يتنكروا لأبنائها ،ولن تنسيهم حلاوة الكرسي الجذور .
من أجلسته بين دفتيك،وأغدقت عليه من نعيمك الذي لا ينضب،انتفخت أوداجه وامتلأت جيوبه، وغير المسكن والمركب ،وأحرق أشرعة قواربه التي كانت تقله إلى ضفة من احتضنوه يوما ما،ضفة المعذبين الذين كان ومازال قدرهم أن يبنوا ويحموا الوطن لينعم سادة الكراسي الذهبية،فتنكر للأب قبل الصديق ، وبات الوصول إلى معاليه حلما كحلم طفل في أن يقبض بنجم من سماء الدنيا.
هل عرفت الآن لماذا أنت ملعون يا كرسي الرئاسة؟!
- كاتب استاذ كيمية العياشي-(الشكرخاص للاستاذ)