الفرق بين العقار المحفظ والعقار غير المحفظ
مع إقرار نظام التحفيظ العقاري بمقتضى ظهير9 رمضان1331(12 غشت1913 )وظهير 19 رجب1333(2يونيو1915 الملغى( المتضمن للقواعد التي تطبق على العقارات المحفظة أصبح المغرب يتوفر على ازدواجية في نظامه العقاري، عقارات محفظة وأخرى غير محفظة. ويعتبر العقار غير المحفظ هو األساس، ألن العقار المحفظ كان أصال عقارا غير محفظ فتحول وضعه القانوني والمادي بعد اتباع مسطرة التحفيظ التي هي مجموعة من اإلجراءات الرامية إلى إخضاع العقار غير المحفظ للنظام المحدث بمقتضى ظهير12 غشت1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري كما وقع تعديله وتتميمه
- وتجدر االشارة إلى أن نظام العقارات غير المحفظة يرتبط بإشكالية أساسية وجوهرية تتعلق باإلثبات. فمسألة اإلثبات قد تطرح أثناء قيام نزاع معين بين طرفي أحدهما يدعي ملكية العقار أو أحد الحقوق العينية الواردة عليه وآخر يدعي خالف ذلك ومنكر لما يدعيه خصمه،
كما قد تطرح أيضا- يعني إشكالية اإلثبات- حتى ولو لم يكن هناك نزاع، بمعنى آخر أن إشكالية اإلثبات في العقار غير المحفظ ال ترتبط بالضرورة بفكرة النزاع وإنما هناك حاالت ال يكون فيها النزاع قائما لكنها تستوجب اإلثبات. كما أن انتقال الملكية في العقار غير المحفظ تتم بالتصرفات القانونية، كالبيع والهبة والصدقة بغية االستثمار او تخصيصه للبناء من قبل مالكه، وكما يعلم الجميع أن ملكية العقارات المخصصة للبناء تتخبط في مجموعة من االشكاالت سواء بالنسبة لملكية العقارات غير المحفظة او ملكية العقارات المحفظة المخصصة للبناء. وهكذا نتساءل عن ماهية الصور التي يمكن من خاللها تملك العقارات المحفظة وغير المحفظة؟ وما هي اإلشكاالت التي تعتريها؟
المحور األول:
اإلثبات في مجال العقار غير المحفظ المفضي لتملكه
المحور الثاني:
العقار المحفظ بين التملك والقيود الماسة به المحور األول:
اإلثبات في مجال العقار غير المحفظ المفضي لتملكه إن االثبات هو ذاك الدليل الذي يوصل إلى الحق وتترتب عنه كل اآلثار القانونية كما أنه يتيح للقضاء استجالء الغموض المطروح في القضية التي ينظر فيها، وقد عرفه األستاذ عبد المنعم البهي
"هو من أوضح الحق و أظهره، ومن ثمة فهو إقامة الدليل أمام القضاء بالطرق الني حددها القانون على وجود واقعة قانونية ترتب آثارها".
فملكية العقارات غير المحفظة يمكن إثباتها بكل الوسائل القانونية عن طريق أدلة وحجج يثيرها الشخص الذي يدعي ملكية هذا العقار، وفي حالة تعارض الحجج المدلى بها من قبل أطراف النزاع فإن القضاء هنا يكون ملزما بإعمال قواعد الترجيح.
ومن أهم الوسائل المعتمدة في مجال اإلثبات لملكية العقار غير المحفظ نجد الحيازة ثم الشهادة، كما أنه يمكن اعتماد اإلقرار أو الكتابة.
الحيازة:
يمكن لكل من يدعي حيازته للعقار حيازة مادية أن يثبتها بكافة الوسائل القانونية، وتعتبر الرسوم التي يحررها العدول وتتضمن الشهادة بأن المشهود له هو المالك للعقار المطلوب إقامة الملكية بشأنه بالشروط المقررة فقها وقانونا هي األكثر استعماال، وهكذا فإن أصناف الوثائق العدلية الخاصة بالملكية هي متعددة ويمكن اإلشارة لبعضها
- الشهادة األصلية أو الملكية العلمية، بحيث يشهد فيها عدالن بناء على معرفتهما الخاصة لطالب الشهادة بملكيته لألرض التي هي موضوع هذه األخيرة.
- الشهادة مختلطة، يشهد فيها عدل واحد مع ستة أشخاص من اللفيف وتسمى بالشهادة المثلية مع األخذ بعين االعتبار التنصيص في وثيقتها على أن عدلها شهد بمثل ما شهد به الشهود الستة فيها، ويعتبر هذا الصنف نادر االستعمال في مجال اثبات الحيازة للعقار.
- ملكية لفيفية، يضمنها عدالن شهادة اثني عشر نفرا بأن األرض المشهود بها ملك لطالب الشهادة بالشروط المقررة فقها وقانونا.
باإلضافة لذلك يمكن اإلشارة إلى المقتضيات القانونية المنظمة للحيازة، وهي التي حددها المشرع في مدونة الحقوق العينية من الفصل 239 غلى الفصل 263. 2 ـ الشهادة:
إن الشهادة ال تأخذ وصفا واحا وال تتمثل في نوع واحد، بل تتعدد أنواعها وشكلها وبذلك نجد الشهادة حسب موضوعها إما أصلية أو استرعائية، وحسب طبيعتها شهادة لفيفية وأخرى عدلية، وهكذا تعتبر شهادة اللفيف هي األكثر شيوعا واستعماال في مجال إثبات ملكية العقار غير المحفظ، وهي شهادة عدلية ليست من إمالء المشهود عليه وال من إمالء العدل الكاتب، وإنما من إمالء مجموعة من األشخاص العاديين بما لهم من علم حول واقعة معينة، إما بمستند عام كالمخالطة والمجاورة واالطالع التام على األحوال والمصاهرة والقرابة، وإما بمقتضى سند خاص كالمشاهدة والمعاينة، ويبلغ عدد هؤالء الشهود إثنا عشر شاهدا، ما لم يتعلق األمر بالرشد أو السفه حيث يلزم رفع العدد إلى ثمانية عشر شاهدا، ألن األمر يتطلب االستفاضة للتأكد من الحالتين
- وتجدر اإلشارة إلى أن المشرع المغربي لم ينظم شهادة اللفيف ال في قانون االلتزامات والعقود[3 ،[وال في قانون المسطرة المدنية، كما أن القانون 03.16 المنظم لخطة العدالة لم يتحدث عن شهادة اللفيف، وكذا المرسوم التطبيقي 03.16 لم ينص على شهادة اللفيف وإنما نص على الشهادة بصفة عامة.
- لكن نجد أن المشرع المغربي يأخد بنظام اإلثبات المختلط، فهو إلى جانب تحديده لطرق إثبات التصرفات القانونية، أجاز للخصوم صراحة إثبات االلتزامات والتصرفات التي لم يرد في القانون نص خاص على شكل اثباتها، بجميع ما لديهم من وسائل، كما يذكر صراحة أن التصرفات الواجب إثباتها بطرق معينة يمكن أن يقع إثباتها بغير الوسائل المقررة في قانون
االلتزامات والعقود.
كما تقضي المادة 401 من ظهير االلتزامات والعقود بأنه "ال يلزم إلثبات االلتزامات أي شكل خاص إال في األحوال التي يقرر القانون شكال معينا".
اإلقرار:
اإلقرار هو اعتراف شخص بحق عليه ألخر قصد ترتيب حق في ذمته وإعفاء اآلخر من إثباته، واإلقرار نوع من الشهادة ألن الشخص يقر بواقعة منتجة ألثر قانوني على عاتقه، أي أنه يشهد على نفسه بأن ما يدعيه صاحب الحق هو صحيح، وهكذا يتضح أن اإلقرار يكون من شخص بقصد أن يجعل حقا ثابتا في ذمته آلخر، سواء كان هذا الحق محل منازعة بينهما أم لم يكن، ويمكن القول بأن اإلقرار يقوم بإنشاء الشخص حقا في ذمته بتصرف قانوني أو بواقعة قانونية، ألن إنشاء الحق يختلف عن االعتراف به.
ويستنتج من ذلك أن لإلقرار حجة قاطعة على المقر وورثته باعتبارهم خلف عام له وال يتعدى إلى غير ذلك، فالواقعة التي أقر بها المدعى عليه تصبح في غير حاجة لإلثبات مادام المقر قد كشفها، ومع ذلك فإنه يتعين على القاضي أال ينظر في االعتراف على أنه حجة مطلقة وبينة تامة إنما يجب تقصي الظروف والمالبسات التي صاحبت هذا االعتراف.
الكتابة:
تعتبر الكتابة هي القالب التي تفرغ من خالله كل التصرفات القانونية واالتفاقات القانونية بين أطرافها، ونجد الكتابة في مجال العقار غير المحفظ من المهام المنوطة بالسادة العدول وذلك وفقا لمقتضيات قانون 03.16 المتعلق بخطة العدالة، وكذلك الموثقين في إطار ما يسمى بالتوثيق العصري المنظمة أحكامه في قانون 09.32 .
وتعتبر المحررات الصادرة عن العدول والموثقين محررات رسمية والتي تتمتع بحجة قانونية قوية خاصة في مجال االثبات، وقد عرف المشرع الورقة الرسمية في الفصل 218 من قانون االلتزامات والعقود على أن:
"الورقة الرسمية هي التي يتلقاها الموظفون الذين لهم صالحية التوثيق في مكان تحرير العقد، وذلك في الشكل الذي يحدده القانون وتكون رسمية أيضًا، األوراق المخاطب عليها من القضاة في المحاكم المغربية واألجنبية...".
كما نصت المادة 04 من قانون 08.39 المتعلق بمدونة الحقوق العينية الصادر بتاريخ 22 نونبر 2011]4 [على أنه:
"يجب أن تحرر تحت طائلة البطالن جميع التصرفات المتعلقة بنقل الملكية أو بإنشاء الحقوق العينية األخرى أو نقلها أو تعديلها أو إسقاطها بموجب محرر رسمي، أو بمحرر ثابت التاريخ يتم تحريره من طرف محام مقبول للترافع أمام محكمة النقض ما لم ينص قانون خاص على خالف ذلك...".
وكما سبقت االشارة فإن للورقة الرمسة حجية قانونية قوية وهو ما نص عليه الفصلين 419 و420 من قانون االلتزامات والعقود فالمادة 419 نصت على أن:
"الورقة الرسمية حجة قاطعة حتى على الغير في الوقائع واالتفاقات التي شهدها الموظف العمومي الذي حررها بحصولها في محضره وذلك إلى أن يطعن فيها بالزور. أما المادة 420 أقرت بأن:
"الورقة الرسمية حجة في االتفاقات والشروط الواقعة بين المتعاقدين وفي األسباب المذكورة فيها وفي غير ذلك من الوقائع التي لها اتصال مباشر بجوهر العقد، وهي أيضًا حجة في األمور التي يثبت الموظف العمومي وقوعها إذا ذكر كيفية وصولها لمعرفتها..".
وهكذا قد جاء في قرار للمجلس األعلى )محكمة النقض( الصادر بتاريخ 28 ماي 1996 "أن عقد البيع المحرر من طرف الموثق يعتبر حجة رسمية ال يطعن فيها طبقًا لمقتضيات الفصلين 418 و 419 من ق.ل.ع إال بالزور".
المحور الثاني:
العقار المحفظ بين التملك والقيود الماسة به يعتبر حق الملكية من بين أهم الحقوق التي يضمنها القانون لصاحبها ويكفل له كل الضمانات للتصرف في عقاره كيف ما شاء، دون أن يكون حقه هذا مهددا بالضياع منه ألي سبب من األسباب. وتتجلى لنا هذه الحماية من خالل األهمية التي أوالها المشرع المغربي لهذا الحق وذلك انطالقا من أسمى قانون في البالد وهو الدستور وبالضبط في الفصل 35 /الفقرة األولى منه التي نصت على أنه:
"يضمن القانون حق الملكية ..." كذلك األمر بالنسبة للقانون رقم 08.39 المتعلق بمدونة الحقوق العينية حيث نصت المادة 23 منه على ما يلي:
"ال يحرم أحد من ملكه إال في األحوال التي يقررها القانون"
بل أكثر من ذلك فحتى المواثيق الدولية أكدت على احترام حق الملكية، ويمكن االستدالل بذلك من خالل المادة 17 من اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان
الصادر عن الجمعية العمومية لهيئة األمم المتحدة في 10 أكتوبر 1984 والتي جاء فيها ما يلي:
- لكل فرد حق في التملك، بمفرده أو باالشتراك مع غيره.
- ال يجوز تجريد أحد من ملكه تعسفا.
- لكن كل هذه الحماية التي توفرها القوانين لحق الملكية خاصة الملكية المحفظة أي الخاضعة لنظام التحفيظ العقاري المنصوص على أحكامه في قانون 07.14 إال أنها حماية غير مطلقة، وهو ما يمكن مالحظته في عدة أحكام وقواعد قانونية أخرى تحد من هذا الحق.
نزع الملكية من أجل المنفعة العامة يعتبر قانون نزع الملكية من أجل المنفعة العامة واالحتالل المؤقت رقم 81.7 من القوانين التي تتضمن مساطر وإجراءات يكون الهدف منها هو نزع ملكية الخواص من أجل تحقيق مصلحة عامة تعود بالنفع على العموم كإنشاء مؤسسات عمومية )مستشفيات، مدارس، الملكية المنزوع ملكيتها على ملكه كاالستغالل واالستعمال والتصرف وذلك مقابل تعويض ساحات عمومية، طرق عمومية...(، وبذلك فإن هذه المسطرة تحد من سلطة صاحب عادل يحدد قانونا، وبالتالي فإن مسطرة نزع الملكية تعتبر من أخطر االمتيازات التي خولها المشرع للسلطة العامة والتي من شأنها ان تضرب بالحماية الدستورية للملكية وكذا نظام التحفيظ العقاري عرض الحائط تحت ذريعة خدمة المصلحة العامة أو باألحرى تحقيق النفع العام.
وإن كان المشرع المغربي في إطار هذا القانون قد ألزم السلطة العامة بإتباع مجموعة المراحل واإلجراءات بما يجعل مسطرة النزع صحيحة وسليمة فإنه مع ذلك تعرف في كثير من األحيان خروقات على مستواها ويأتي في هذا السياق االعتداء المادي كصورة من أهم صور هذه الخروقات إذ غالبا ما تعمد اإلدارة نازعة الملكية إلى وضع يدها على ملكيات خاصة بأفراد معينين دون اتباع مسطرة نزع الملكية متعذرة بالطابع االستعجالي لمشاريعها
- الشيء الذي يضع صاحب العقار من جهة وبطء مسطرة نزع الملكية من جهة اخرى أمام وضعية شاذة يصعب تداركها خاصة إذا تعلق االمر بالعقارات غير المحفظة التي يصعب على أصحابها إثبات ملكيتها وما يمكن ان يستتبع ذلك من آثار تمس أساسا بالحقوق الفردية المتمثلة في الحرمان من التعويض ومنه فإنه يمكن معالجة االشكالية التي تطرحها ملكية العقارات غير المحفظة في اطار مسطرة النزع من خالل ثالث نقاط مهمة:
الجزء الاول